الأربعاء، 25 أبريل 2018

الجزء الأول. .... من رواية السطور التى منها الجن ....... بقلم القاص محمد دحروج

: وليس من إرادة الإنسان 

   لَيسَ مِن حُرِمَ مِن بَعدِ تَذَوُّقٍ كَمَن لَم يجُرِّب وَمَن لَم يَعِ ، وَلَيسَ مَن عَرِفَ الحُبَّ يَومَ عَرِفَهُ في صُورَةِ رِسَالَةٍ إِنسَانِيَّةٍ يُرِيدُهَا اللهُ كَمَن رَآهُ عَلَى هِيئَةٍ طِينِيَّةٍ بَدِيعَةٍ فَارتَشَفَ مِن كَأسِهِ ثمَّ انصَرَفَ وَمَا انصِرَافُهُ سِوَى عُكُوفِهِ عَلَى هَذِهِ المَادَّةِ أو تَحوُّلِهِ عَنهَا بَعدَ وَقتٍ وَإِنمَّا قِيلَ هُوَ حُبٌّ لمُِوَافَقَتِهِ اصطِلاحَ النَّاسِ مِن بَعدِ أن فَسَدَت الطِّباعُ وَعَمَّ الضَّياعُ وَكَثُرَ الجِيَاعُ .
   وَلَيسَ  مِن إِرَادَةِ الإِنسَانِ  أن تَجِيءَ اللَّحظَاتُ  حَسبَ رَغبَتِهِ مَعَ المَكَانِ  أو  الزَّمَانِ ؛ فَهَذَا قَانُونٌ الأغمَارِ  مِنَ  مُعتَنِقِي  عَقِيدَةِ الوَهمِ وَالسَّذَاجَةِ ؛ فَالْحُبُّ الَّذِي هُوَ بَعثٌ جَدِيدٌ  لا يَأتِي عَلَى جَنَاحِ رِيحٍ مُرَادَةٍ ؛ وَإِنمَّا عَلَى بِسَاطِ رِيحٍ مُبَاغِتَةٍ تحَمِلُهُ عَلَى فُجَاءَةٍ فَإِذَا أنتَ بَينَ ضَبابِ كَثِيرٍ  وَنُورٍ ضَؤلَ أمرُهُ ، وَإِذَا بِكَ فَوقَ صَخرَةٍ عَالِيَةٍ غَيرَ أنَّ المَوجَ يُحِيطُ بِكِ مِن كُلِّ مَوضِعٍ .
   إِنَّ أغرَبَ حَالاتِ الْحُبِّ هِيَ تِلكَ الَّتِي  تُثبِتُ لأبنَاءِ هَذِهِ الدُّنيَا أنَّ العِشقَ لا يَعتَرِفُ بِقَانونِ الأعمَارِ أو الأعرَافِ أو الأجنَاسِ ؛ وَإِنمَّا هُوَ قَانونُ الأروَاحِ الَّذِي يَدفَعُكَ إِلَى الْحَقَائِقِ الكُبرَى  مِن بَعدِ أن كُنتَ تُؤمِنُ إِيمَانًا قَوِيًّا رَاسِخًا بِأنَّ المَرَأةَ المُوَافِقَةَ لَكَ إِنمَّا هِيَ تِلكَ الَّتِي تمُاشِي عَقلَكَ المَنطِقِيَّ وَتُجَارِي طَبِيعَتُهَا فَلسَفَةَ تَفكِيرِكَ الَّذِي لا يُؤمِنُ إِلاَّ بمَِا يجَِبُ وَبمَِا يَستَحِيلُ أن يَكُونَ وَأن يَتحَقَّقَ في شَرِيعَةِ آرَائِكَ الخَاصَّةِ الَّتِي صَنَعَتهَا رِحلَةٌ غَرِيبَةٌ مُضطَرِبةٌ نَاجِحَةٌ ، وَهَذَا القَانونُ المُعَاكِسُ الضِّدِّيُّ إِنمَّا  هُوَ آيةُ الْخَلْقِ العَجِيبِ وَالْجَمِيلِ في آنٍ ؛ وَيَأخُذُكَ الجَدَلُ القَائِمُ بَينَ طَوَايا نَفسِكَ وَأرجَائِهَا كُلَّ مَأخَذٍ تُرِيدُ أن تُنَاقِشَ وَأن تَرُوحَ وَأن تجَيءَ ؛ فَإِذَا بِكَ تَرجِعُ في النِّهايةِ لا تُؤمِنُ بِغَيرِ مَا قَرَّرَتهُ حَيَاةُ الشُّعُورِ الَّذِي انتَقَى فَارتَقَى وَنَهَلَ مَا استَسقَى ، وَذَهَبَ فَقَامَرَ وَأوغَلَ فَغَامَرَ ؛ وَالإِصرَارُ  آفةٌ وَمُعجِزَةٌ  في آنٍ مَعًا ؛ فَآفتُهُ  عَاقِبَةٌ مُؤلِمَةٌ ، وَمُعجِزَتُهُ مجَيءُ الأيامِ وَيكَأنهَّا تُرِيدُكَ مِن بَعدِ عُبُوسٍ أن تَضحَكَ وَأن تَلهُو وَأن تَفرَحَ ؛ وَمَا العِشقُ إِلاَّ كُلّ هَذِهِ المَعَانِي مجُتَمِعَةً .
   يُقِرُّ النَّاسُ بمِا يُرِيدُونَ غَيرَ أنَّ إِرَادَتِي تَتغَلَّبُ في نهِايةِ الأمرِ إِذ كَانت لا تُنَاطُ إِلاَّ بِي ، وَلا تَتعَلَّقُ بِسِوَاي ؛ فَأنا  مَن يحَصُدُ الجُرْحَ وَالهَمَّ أو النَّشوَةَ وَالسَّعَادَةَ بِآخِرِ المَطَافِ .
   وَهَذَا دَاءٌ قَدِيمٌ أعرِفُهُ مِن نَفسِي ، وَعُقدَةٌ لازَمَتنِي فَمَا رُمتُ حَلَّهَا أبدًا ؛ أن أعشَقَ الْمَرأةَ الَّتِي تَكبُرُنِي وَلَيْسَت مَن تَصغُرُنِي ؛ وَقَالَ لِي أحَدُهُم يَومًا :  مَأسَاتُكَ  أنكَ أحبَبتَ أباكَ  فَوقَ كُلِّ قَدْرٍ فَحَرَمَكَ شَغَفُكَ بِهِ أن تَقتَرِبَ مِن أُمِّكَ فَلَمَّا ذَهَبَ أبوكَ وَبَقِيَتْ هِيَ لَم تَجِد مِنهَا  سِوَى سيِّدَةٍ مِسكِينَةٍ أقعَدَهَا الْمَرَضُ وَلازَمَت فِرَاشَهَا لِسَنَوَاتٍ فَمَا دَنوتَ مِنهَا إِلاَّ وَهِيَ تُودِّعُ الحَيَاةَ ، وَكُنتُ تُحبُّهَا لأنكَ أبصَرتهَا امرَأةً تَقِيَّةً  لا لأنكَ كُنتَ تُحِبُّهَا حُبَّ الصَّغِيرِ لأُمِّهِ  فَإِنكَ لَم تَلتَفِت إِلَيهَا  إِلاَّ مِن بَعدِ أن جَاوَزتَ العِشرِينَ مِن عُمُرِكَ  فَكُنتَ تَنظُرُ إِلَيهَا نَظرَةَ  الرَّجُلِ  الَّذِي يُوقِّرُ أُمَّهُ  وَحَسْب ، وَحَالَ مَرَضُهَا  بَينَكَ وَبَينَ الْحَنَانِ  الَّذِي كُنتَ تَنتَظِرُهُ مِنهَا  مِن بَعدِ أبِيكَ ، فَمَا كِدتَ تَفقِدُهَا حتَّى رَأينَاكَ وَقَد أعرَضتَ عَن عِشقِ كُلِّ فَتَاةٍ تُقَارِبُ سِنَّكَ وَذَهَبتَ تَطلُبُ المَرأةَ  الَّتِي تَكبرُكَ بِسَنَوَاتٍ ، وَزَعَمتَ أنكَ لا تُقبِلُ عَلَيهَا إِلاَّ إِقبَالِ العَاشِقِ ؛ وَمَا رَأينَاكَ إِلاَّ طَالِبًا لِحَنَانٍ أُنثَوِيٍّ لَن تجَدَهُ عِندَ بَنَاتِ جِيلِكَ إِذ كَانت الفَتَاةُ تَطلُبُ حَنَانكَ وَتَدلِيلَكَ بَينَمَا أنتَ تَطلُبُهُ فَلَمَّا اختَلَفَت  المَقَاصِدُ  ذَهَبتَ نَحوَ طِلْبَتِكَ  الَّتِي تُرِيدُ ، وَلا يمَنَعُ هَذَا مِن إِقبَالِكَ عَلَى المَرأةِ الَّتِي تَكبرُكَ  إِقبَالَ المُحِبِّ لِلأُنثَى  إِذ كَانت بِنِهَايةِ الأمرِ أُنثَى ، فَأنتَ تُقبِلُ عَلَيهَا طَلبًا لِلحَنَانِ  الَّذِي لَم تجَدهُ وَلَن تجَدهُ إِلاَّ عِندَ هَذِهِ المَرأةِ الَّتِي تَكبرُكَ ، وَأنتَ تُقبِلُ عَلَيهَا إِقبَالَ الرَّجُلِ لأنكَ تُبصِرُ قُدَّامَكَ الأُنثَى الجَمِيلَةَ الأنِيقَةَ الرَّاقِيَةَ الوَاعِيَةَ العَاقِلَةَ !
   وَأخَذتُ أتأمَّلُ الكَلامَ ، وَطَالَ صَمتِي ؛ لا لأنِّي ارتضَيتُهُ وَإِنمَّا لأنهُ يَصلُحُ أن يُعبِّرَ عَن جانِبٍ مِن جَوَانِبٍ الإِقبَالِ ، أمَّا أن أُسَلِّمَ بِهِ كَعِلَّةٍ رَئِيسَةٍ تَصنَعُ قَلبِي صِنَاعَةً ؛ فَهَذَا محُالٌ ، فَإِنَّ الشَّابَّ العَاقِلَ لا يُضِيعُ عُمُرَهُ مِن أجلِ مُعَالجَةِ أحدَاثِ قَدَرٍ قَد عَانَى مِنهُ الكَثِيرُونَ ؛ فَمَا رَأينَا عَاقِلاً  يُطِبُّ دَاءَهُ  بمِثلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، كَمَا أنَّ الْحُكمَ بِأنِّي اعتَزَلْتُ المُجَايلَةَ  اعتِزَالاً  تَامًّا  هُوَ كَلامٌ  يُكَذِّبُهُ وَاقِعٌ  لَم  يَعرِف الْخَفَاءَ أو الكِتمَانَ ، فَلَوْ قُلْتَ إِنهُ سَأمٌ مِن عُقُولِ بَنَاتِ حَوَّاءَ مِنَ المُنتَسِبَاتِ إِلَى هَذَا الْجِيلِ الْجَدِيدِ  لَكُنتَ صَادِقًا ، وَأنا رَجُلٌ مَلَّ مِن صَخَبِ الحَيَاةِ فَلا أُرِيدُ سِوَى امرَأةٍ تَفهَمُ مِن دُونِ لَفظٍ وَأُشَاكِسُهَا مِن دُونِ غَيظٍ ؛ وَهَذَا لَن تَجِدهُ عِندَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لا تَمَلُّ مِنَ الالتِفَاتِ وَلا تَقنَعُ بِمَن مَعَهَا مِن بَعدِ امتِلاكِهِ .

   

هناك تعليق واحد: