ها أنــا أعُودُ لأكمل ما قد بـدأت ، وهـا أنـا أتحدّث عن واقعنا المزيّــف وتتزيف الواقع ،
فالواقع المزيّف هو قُبحٌ يكشف ما ظنناه جميلاً ، وتزييف الواقع هـو تجميل ما رأينا قُبحه ، لقـد ترددتُ كثيــرًا قبل أن أقرّر الخوض في هـذه القضايا لِـمَا قـد تجُــرُّه من عداءاتٍ وخُصُوماتٍ ، والخصومات الفاجـرة والعداءات العاهرة أمـرٌ معـرُوفٌ في ثقافتنا المصريـّة ؛ غير أنـي عُدتُ في النهاية لأقـول لنفسي إنّ من اعتاد الحرب في بداية أمره بكـل قـوّةٍ وعُنفٍ لا يجُـوز له أن يُهـادن الراحة في زمن قُـوته وإلا عُـدّ ذلك من النفاق الاجتماعيّ الذي من عادته أن ينادي بالعدالة والمساواة في زمن فقر المطالب فإذا ما صار من أبناء الطبقة الرفيعة طالب بالدولة الرأسماليّة ومحاكمة الثوّار بتُهمة الشيوعيّة وإن كانوا من أرباب المساجد ؛ ليست عندي شُهرة أدعيها إذا ما حان الجِدُّ لأخاف عليها ، وليس عندي من الأمور التي أخشاها ما يحجزني عن الخوض في المسكوتِ عنه ؛ فأنا كما قُلتُ ذات يومٍ : إنّ الكاتب الحقيقي هو من تستوي عنده الأمور فيقوم بواجبه متى ناداه الواجب ، ومن ظنّ أنه امتلك ما يخاف عليه أو منعه أمرٌ عن القيام بهذا الواجب فما هو سوى مُنافق أراد شيئــــًا لا يتعلّق إلا به فنفذ إلى الوصول إليه عن طريق عقول وقلوب الجماهير فلمّا حاز ما قد كان يرجو انخلع من الأمر انخلاعـًا فما يعبأ إلا بنفسه ومصالحه .
ها أنا أكتبُ مقالة جديدة أحاول من خلالها أن أهتك عِرض السُّكوت وأن أبني صرحًا من العداوات الجديدة من بعد أشهـر طويلة لم أبصر بها عراكـًا يُشعرني بحقيقة الأديب الذي يكتب من أجل قضيّة .
إنَّ ما حدث مما ذكرته بالمقالة الأولى ليس بالأمر الغريب كما ظنّ بعض أصحابنا ، فهو ظاهرة معروفة بالوسط الثقافـيّ بحيث ندهش من دهشة المستغرب لوجودها ، يكفي أن أقــول إن كثيرًا من المقالات النقديـّة كُتبت في متشاعرات من أجل مائة جُنيه أو لقاء غراميٍّ بالهاتف !
هل أزعج الخواطر هذا الذي قُلتُ ؟! ... إني لأضحك وأنا أكتبُ ؛ وما أضحك إلا من كثيرين يعلمون حقيقة ما أقول غير أنهم يكرهون جَرْحَ الذوق العام وإن كان السكوت لا يعني سوى الصمت عن ( ماسُورة مجاري ) طفحت بشارع راقٍ اسمه شارع الثقافة والمثثقفين ؛ وأعتقد أن محاولة تحطيم ( الماسُورة ) أهم بكثير من جرح الذوق العام المائع ، ومتى اجتمع الجمهور على تحريم وتجريم كشف القُبح ومحاربته فاعلم أنه ذوق فاسد لا يُعتدُّ به ولا يُنظر إليه .
يقولُ قومٌ : نحن لا نحبّ الفضائح ، وأقول لهم : الفرق شاسع بين قتل السُّوء عن طريق إظهاره وتبشيعه وبين الرغبة في أن تشيع الفضائح من جرّاء هذا السكوت .
وما زلت أقول : لا بد أن نفرّق بين العلاقات الخاصة التي لا يعنينا أمرها اللهم إلا إذا آمنّا بشرعيّة التطفُّل والسعي خلف أسرار الناس التي لا يجوز لنا أن نتتبعها ، وبين وقاحة أصحاب الأقلام من مدّعي النقد حين يحاولون فرض قداستهم على الناس من أجل امتطاء الأعراض وتشجيع نساء الوسط على الفُجر والدعارة تحت ضغوط الإغراء بالشهرة ــــ الكاذبة ــــ والأضواء ــــ المظلمة ـــــ .
أنا لا أحبُّ أن أقتحم إلى ما حرّم الله ، فكلنا أهل ذنوب ، والستر واجبٌ شرعًا وعُرفًا ؛ أما مع هؤلاء النقاد الذين نفذوا إلى دنيا الثقافة بألسنة المؤمنين وقلوب الكلاب الضارية فإنما نهانا الشرع والعُرف عن تمرير ممارساتهم ، وإلا أصبح الساكت كالديُّوث الذي يرى امرأة جاره تُغتصب فلا يحمل سلاحه ليدافع عن عرض أخيه خوفـًا من بطش المجرم به .
سأُغلق المقالة الآن ؛ لأني أعلم أني أثير بها أعصاب قومٍ ، فأنا أحبُّ أن أضايقهم أكثر وأكثر لأني مُولع بمضايقة الوقحاء وأحب لُعبة الفئران والجُبن ، فكلما جاءت مقالة انتظر الناس ما ستحمله ووقف كل واحدٍ من هولاء يرتعد خوفًا مما سأجيءُ به .
وفي نهاية الأمر ؛ ربما أصابني أذى من وراء هذه المقالات ؛ غير أنه يكفيني شرفًا وفخرًا أنني أقدر على أن أتوضّأ لأقسم بين الركن والمقام أنّ قلمي لم يُدنّس بمقالة نقديّة أخذت من ورائها أجرًا أو عُهرًا ... والسّلام .
ويكفيني أن أقول من بابة الرّدّ قبل أوان الردّ : إنّ من أحبّته النساء لا يبيع قلمه عن طريق هذه الممارسات الرخيصة ... والحديث متّصل ، والحديث مُستفِز .
لا حرمنا الله قلما حرا ينطق بالحق .. ويكشف عن قضية ليست بالهينة .. وكثيرا ما تحدث في مجتمعنا الثقافي .. ولكن يغض الطرف عنها الكتاب .. وكان عليهم فضح الأمر عل من ينتهج هذا النهج ينظر في مرآة واقعه .. ويرى كيف تمتليء بنقاط سوداء حان وقت محوها .. و تتطهر رسالة النقد .. والواقع الثقافي بعامة .. شكرا لك أستاذنا وناقدنا الجريء /محمد دحروج .. ولا نبالغ إن قلنا أنه طاب أن التقيناك على منصة منبرك الجريء مدافعا بهذه القوة عما يستحي منه الكثيرون .. ومساء جميل .. وارق التحايا ..
ردحذف