الفصل السادس :
محمد يوسُف القاضي
في تَمَامِ الْخَامِسَةِ مَسَاءً كُنتُ أقِفُ هُنَاكَ بِشَارِعِ مُحمَّد يُوسُف القَاضِي بِجِوَارِ كُليَّةِ البَنَات بِحَيِّ مِصرَ الجَدِيدَةِ ، في هَذَا الشَّارِعِ كَانت بِدَايتِي الأُولَى مَعَ التَّألِيفِ وَالنَّشرِ وَصِرَاعِ الحَيَاةِ وَالكِفَاحِ بِدَارٍ مَعرُوفَةٍ بِذَلِكَ الشَّارِعِ ، وَوَقَفتُ أتأمَّلُ ذَلِكَ المَاضِي الَّذِي كَانَ مُنذُ تِسْعِ سَنَوَاتٍ حَزِينَةٍ قَد خَلَت ؛ وَهُنَا سَمِعتُ ضَرَباتِ قَلْبٍ أخَذَت تحُاصِرُنِي وَتَفتِكُ بِي ، تَقُولُ في دَهَشٍ : كَيفَ لِمِثلِكَ أن يُحِبَّ وَأن يَعشَقَ ؟ ، كَيفَ لِمِثلِكَ أن يَفرَحَ وَأن يَبتَسِمَ لِلحَيَاةِ مِن بَعدِ كُلِّ ذَلِكَ الَّذِي قَد كَان ؟ ، كَيفَ لِمِثلِكَ أن يَظُنَّ النَّجَاةَ بَينَمَا قَد طَوَاهُ الغَرَقُ مُنذُ سِنِين ؟!
هَذَا الشَّارِعُ الأرُستُقرَاطِيُّ الَّذِي يَمتلِيءُ بِوَاجِهَاتٍ أمَامَ أبوَابِ القُصُورِ الصَّغِيرَةِ تَدُلُّ عَلَى مَكَانةِ أصحَابهِا كَم رَأى مِن عَذَابٍ حَمَلَهُ فُؤادِي في هَذِهِ الأيامِ الأُولَى .
إِنَّ مَن عَاشَ هَذَا الوَاقِعَ الَّذِي قَد عِشْتُ مِنَ الْمُحَالِ أن تَجِدَ السَّعَادَةُ إِلَى قَلبِهِ سَبِيلاً ، لَيسَ لأنهُ رَأى فَوقَ مَا رَأى أحَدٌ مِن حُزنٍ وَأحَسَّ بِوَجَعٍ ؛ وَإِنمَّا لأنهُ غَرَسَ هَذَا الوَجَعَ في أرضِهِ فَانبَتَ زَهرَ الأنِينِ المَكتُومِ فَمَا تُحرِّكُهُ مُبهِجَاتُ الأوقَاتِ ، وَأقَامَ بِأرضِ أيامِهِ صَرْحَ الألَمِ فَمَا يَرغَبُ في هَدمِهِ أو محُارَبتِهِ بِصَرْحٍ آخَرَ مِن صُرُوحِ الفَرَحِ .
إِنَّ مَن عَاشَ هَذِهِ الأيامَ لَن يَعرِفَ مَعنَى السَّلامِ مَعَ نَفسِهِ وَإِن وَادَعَتهُ الدُّنيَا وَقبَّلَهُ السُّعْدُ !
*****
وَبَينَا أنا عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ إِذ سَمِعتُ صَوتًا اختَرَقَ دُنيَايَ الحَزِينَةَ ، وَإِذَا بهِا تَقِفُ قُدَّامَ خُطَاي !
هِيَ : أينَ ذَهَبَ بِكَ صَمتُكَ ؟
وَفي هُدُوءٍ تَقَدَّمَت الخُطَى ، وَاشتَبَكَت الأصَابِعُ ، وَسِرنَا بِالطَّرِيقِ مِن دُونِ كَلامٍ ؛ فَقَد كَانَ جمَالُ الصَّمتِ فَوقَ كُلِّ جمَال .
من روايتي ( السُّطور التي مسَّها الجن )
محمد يوسُف القاضي
في تَمَامِ الْخَامِسَةِ مَسَاءً كُنتُ أقِفُ هُنَاكَ بِشَارِعِ مُحمَّد يُوسُف القَاضِي بِجِوَارِ كُليَّةِ البَنَات بِحَيِّ مِصرَ الجَدِيدَةِ ، في هَذَا الشَّارِعِ كَانت بِدَايتِي الأُولَى مَعَ التَّألِيفِ وَالنَّشرِ وَصِرَاعِ الحَيَاةِ وَالكِفَاحِ بِدَارٍ مَعرُوفَةٍ بِذَلِكَ الشَّارِعِ ، وَوَقَفتُ أتأمَّلُ ذَلِكَ المَاضِي الَّذِي كَانَ مُنذُ تِسْعِ سَنَوَاتٍ حَزِينَةٍ قَد خَلَت ؛ وَهُنَا سَمِعتُ ضَرَباتِ قَلْبٍ أخَذَت تحُاصِرُنِي وَتَفتِكُ بِي ، تَقُولُ في دَهَشٍ : كَيفَ لِمِثلِكَ أن يُحِبَّ وَأن يَعشَقَ ؟ ، كَيفَ لِمِثلِكَ أن يَفرَحَ وَأن يَبتَسِمَ لِلحَيَاةِ مِن بَعدِ كُلِّ ذَلِكَ الَّذِي قَد كَان ؟ ، كَيفَ لِمِثلِكَ أن يَظُنَّ النَّجَاةَ بَينَمَا قَد طَوَاهُ الغَرَقُ مُنذُ سِنِين ؟!
هَذَا الشَّارِعُ الأرُستُقرَاطِيُّ الَّذِي يَمتلِيءُ بِوَاجِهَاتٍ أمَامَ أبوَابِ القُصُورِ الصَّغِيرَةِ تَدُلُّ عَلَى مَكَانةِ أصحَابهِا كَم رَأى مِن عَذَابٍ حَمَلَهُ فُؤادِي في هَذِهِ الأيامِ الأُولَى .
إِنَّ مَن عَاشَ هَذَا الوَاقِعَ الَّذِي قَد عِشْتُ مِنَ الْمُحَالِ أن تَجِدَ السَّعَادَةُ إِلَى قَلبِهِ سَبِيلاً ، لَيسَ لأنهُ رَأى فَوقَ مَا رَأى أحَدٌ مِن حُزنٍ وَأحَسَّ بِوَجَعٍ ؛ وَإِنمَّا لأنهُ غَرَسَ هَذَا الوَجَعَ في أرضِهِ فَانبَتَ زَهرَ الأنِينِ المَكتُومِ فَمَا تُحرِّكُهُ مُبهِجَاتُ الأوقَاتِ ، وَأقَامَ بِأرضِ أيامِهِ صَرْحَ الألَمِ فَمَا يَرغَبُ في هَدمِهِ أو محُارَبتِهِ بِصَرْحٍ آخَرَ مِن صُرُوحِ الفَرَحِ .
إِنَّ مَن عَاشَ هَذِهِ الأيامَ لَن يَعرِفَ مَعنَى السَّلامِ مَعَ نَفسِهِ وَإِن وَادَعَتهُ الدُّنيَا وَقبَّلَهُ السُّعْدُ !
*****
وَبَينَا أنا عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ إِذ سَمِعتُ صَوتًا اختَرَقَ دُنيَايَ الحَزِينَةَ ، وَإِذَا بهِا تَقِفُ قُدَّامَ خُطَاي !
هِيَ : أينَ ذَهَبَ بِكَ صَمتُكَ ؟
وَفي هُدُوءٍ تَقَدَّمَت الخُطَى ، وَاشتَبَكَت الأصَابِعُ ، وَسِرنَا بِالطَّرِيقِ مِن دُونِ كَلامٍ ؛ فَقَد كَانَ جمَالُ الصَّمتِ فَوقَ كُلِّ جمَال .
من روايتي ( السُّطور التي مسَّها الجن )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق