ـ بَيْنِي وَبَيْنَ شَـاكِـر:
المَـرْحَـمَـةُ الـغَـيْـثِـيَّـةُ
وَكَـم تـَرَكَ الأَوَّلُ لِلآخِـرِ
p 15 i
لاَ يَتَصَدَّى أَحَـدٌ لِتَحْقِيقِ كِـتَـابٍ تُرَاثِيٍّ إِلاَّ لِسَبَبٍ وَجِيهٍ؛كَإِكْمَالِ نَقْصٍ جَاءَ
بِالأَصْلِ؛وَيَكُونُ ذلِكَ مِنْ جَرَّاءِ سَهْوٍ وَقَعَ مِنْ قِبَلِ المُحَقِّقِ مَعَ وُجُودِ مَوْضِعِ السَّقْطِ بِالأَصْلِ المَخْطُوطِ أَوْ لَكَوْنِ المُحَقِّقِ عَوَّلَ عَلَى نَسْخَةٍ بِهَا سَقْطٌ فِي مَوْضِعٍ أَوْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِع؛بَيْنَمَا ظَفِرَ المُتَأَخِّرُ بِنُسْخَةٍ خَطِّيَّةٍ كَامِلَةٍ صَحِيحَةٍ؛فَصَارَ مِنْ حَقِّهِ حِينَيئِذٍ أَنْ يُعِيدَ نَشْرَ هذا العَمَلِ صَحِيحَاً كَامِلاً مُجَوَّدَاً .
أَوْ لأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى عَبَثٍ حَدَثَ مِنْ قِبَلِ المُحَقِّقِ الأَوَّلِ؛كَوُقُوعِهِ فِي خَطَأِ قِرَاءَةِ
بَعْضِ أَلْفَاظِ النَّصِّ عَلَى غَيْرِ الوَجْهِ الصَّحِيحِ؛أَوْ وُقُوعِهِ فِي أَخْطَاءِ تَخْرِيجِ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالآثارِ الوَارِدَةِ بِالنَّصِّ كَعَزْوٍ إِلَى المَصَادِرِ المُتَأَخِّرَةِ مَعَ وُجُودِ الحَدِيثِ أَوْ الأثرِ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ الكُبْرَىِ؛أَوْ حُكْمِهِ بِالضَّعْفِ عَلَى صَحِيحٍ أَوْ بِتَصْحِيحِ الضَّعِيفِ .
وَيَنْضَافُ إِلَى ذلِكَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ إِحْكَامِ بَابَاتِ التَّقْدِمَةِ لِلْكِـتَابِ المُحَقِّـقِ؛
كَوَصْفِ النُّسْخَةِ أَوْ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا؛وَتَرْجَمَةِ المُصَنِّفِ؛وَبَابَةِ الحَدِيثِ
عَنْ عِلَّةِ إِعَادَةِ تَحْقِيقِ العَمَلِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ القُصُورِ فِي التَّحْقِيقَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَت عَلَيْهِ؛وَمَا يَدْخُلُ فِي ذلِكَ وَيَدُورُ حَوْلَهُ .
وَكُنْتُ قَـد تَحَدَّثـْتُ فِي مَقَالَةٍ سَبَقَت عَنْ تَحْقِيقِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَن
المِصْرِيِّ الأَثرِيِّ لِجُزْءِ (( صِفَةِ النِّفَاقِ وَذَمِّ المُنَافِقِينَ )) لِلإِمَامِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد الفِرْيَابِيِّ؛وَكَيْفَ أَنَّ هَذِهِ النَّشْرَةَ كَانَت مِنَ الأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ فِي وَقْتِهَا؛وَكُنْتُ أَشَرْتُ لِتَحْقِيقِي لِكِتَابِ (( المَرْحَمَةِ الغَيْثِيَّةِ )) لأَبِي الفَضْلِ بْنِ حَجَر ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ؛فَشَجَّعَنِي ذلِكَ عَلَى ذِكْرِ قِصَّةِ هَذا العَمَلِ؛وَكَيْفَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَـد كَتَبَ القَبُولَ لِنَشْرَتِي هَذِهِ حَتَّى أَنَّهَا أَخْمَلَت النَّشَرَاتِ وَالطَّبَعَاتِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا .
لَمَّا عَـزَمْتُ عَـلَى تَحْقِيقِ هَـذا الكِتَابِ؛وَالَّـذِي هُـوَ فِي مَـنَاقِبِ عَـالِمِ الدِّيَارِ
المِصْرِيَّةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللهُ؛بَدَأْتُ بِجَمْعِ النَّشَرَاتِ وَالطَّبَعَاتِ لِهَذا الجُزْءِ؛فَكَانَ مِمَّا وَقَعْتُ عَلَيْهِ:نَشْرَةُ قَدِيمَةٌ جِدَّاً أَخَرَجَتْهَا مَكْتَبَةُ الآدَابِ القَاهِرِيَّةِ؛وَهِىَ مَأْخُوذةٌ تَصْوِيرَاً عَنْ نُسْخَةِ المَطْبَعَةِ الأَمِيرِيَّةِ بِمِصْرَ؛وَالَّتِي صَدَرَت عَامَ 1301 هـ؛وَنُشِرَت تَحْتَ عُنْوَانِ:(( الرَّحْمَةُ الغَيْثِيَّةُ بِالتَّرْجَمَةِ اللَّيْثِيَّةُ؛وَيَلِيهِ:تَوَالِي التَّأْسِيسِ بِمَعَالِي ابْنِ إِدْرِيس )) ـ أَي الإِمَامِ مُحَمَّد بْنِ إِدْرِيسِ الشَّافِعِيِّ لابْنِ حَجَر أَيْضَاً ـ؛وَكَانَ بِهَا سَقْطٌ بَشِعٌ؛وَخَلَت مِنْ أَيِّ تَحْقِيقٍ عِلْمِيٍّ؛ثـُمَّ وَقَفْتُ عَلَى الطَّبْعَةِ المُنِيرِيَّةِ لِمُحَمَّد مُنِير الدِّمَشْقِيِّ؛فَوجَدتُهَا نَشْرَةً نَصِيَّةً حَسَنَةً؛إِلاَّ أَنَّهُ اعْتَرَاهَا سَقْطٌ مَلْحُوظٌ؛فَلَمَّا بَحَثتُ عَن النَّشَرَاتِ الَّتِي صَدَرَت فِي العُقُودِ الأَخِيرَةِ؛لَم أَجِد سِوَى نَشْرَةِ الدُّكْتُور يُوسُف المَرْعَشَلْيِّ؛فَلَمَّا طَالَعْتُهَا؛وَجدتُهَا لاَ تَخْتَلِفُ فِي شَيْءٍ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ عَن النُّسْخَةِ المُنِيرِيَّةِ؛ فَلَعِمْتُ أَنَّ التَّعْوِيلَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى نُسْخَةٍ خَطِّيَّةٍ وَاحِدَةٍ؛وَهِىَ النُّسْخَةُ المَحْفُوظَةُ بِمَعْهَدِ المَخْطُوطَاتِ بِجَامِعَةِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ؛فَلَمَّا وَقَفْتُ عَلَى النُّسْخَتَيْنِ الخَطِّيَّتَيْنِ المَحْفُوظَتَيْنِ بِالمَكْتَبَةِ الأَزْهَرِيَّةِ؛وَجَدتُهُمَا يُخَاطِبَانِ الكَمَالَ وَالإِتْقَانَ فَأَيْقَنْتُ بِوُجُوبِ إِعَادَةِ تَحْقِيقِ هَذا العَمَلِ التُّرَاثِيِّ الفَرِيدِ؛وَكَانَ مِنْ فَوَائِدِ المُقَابِلاَتِ بَيْنَ النُّسْخِ الخَطِّيَّةِ وَالمَطْبُوعَةِ وَالنَّظَرِ فِي مَوَاضِعِ تَرَاجِمِ الحَافِظِ أَبِي الفَضْلِ بْنِ حَجَر مِنْ كُتُبِ العُلَمَاءِ أَوْ مَنْ أَفْرَدُوهُ بِالتَّرْجَمَةِ؛أَنَّ الخَطَأَ قَـد وَقَعَ فِي كَآفَّةِ النَّشَرَاتِ فِي عُنْوَانَةِ الكِتَابِ؛وَدَلَّنَا عَلَى ذلِكَ الحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ (( ت 902 هـ )) فِي بَابَةِ ذِكْرِ مُصَنَّفَاتِ ابْنِ حَجَر مِنْ كِتَابِهِ الكَبِيرِ الَّذِي أَوْقَفَهُ عَلَى سِيرَتِهِ؛وَكَانَ الشَّمْسُ السَّخَاوِيُّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ اخْتِصَاصَاً بِالحَافِظِ الشِّهَابِ العَسْقَلاَنِيِّ؛إِذ كَانَ تِلْمِيذهُ المُقَرَّبَ؛فَلاَ يُفْتَى وَمَالِكُ فِي المَدِينَةِ فَإِذا وَقَفَ أَمْرٌ آخَرُ يُؤيِّدُ مَا ذكَرَهُ السَّخَاوِيُّ؛صَارَ رَأْيُنَا فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ كَالحُجَّةِ الَّتِي تَسْتَحِيلُ عَلَى الدَّحْضِ وَالتَّفْنِيدِ؛وَكَانَ مِنْ مَيْزَاتِ نَشْرَتِنَا أَنَّنَا تَرْجَمْنَا لِلْمُصَنِّفِ ـ الحَافِظِ العَسْقَلاَنِيِّ ـ بِأُسْلُوبِنَا وَعَلَى طَرِيقَتِنَا نَحْنُ؛وَلَمْ نَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ المُتَسَاهِلُونَ إِذ يَنْقِلُونَ تَرْجَمَةَ المُصَنِّفِ نَقْلاً مُبَاشِرَاً مِنْ بَعْضِ الكُتُبِ الَّتِي تَرْجَمَت لَهُ؛وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى ذلِكَ؛فَلاَ تَرَى تَذييلاً وَلاَ تَعْقِيبَاً وَلاَ اسْتِدْرَاكَاً وَلاَ مَا يُنْتَظَرُ مِنَ المُحَقِّقِ مِنْ فَوَائِدَ فِي بَابَةِ تَرْجَمَةِ المُصَنِّفِ؛وَأَمَّا عَن التَّخْرِيجِ وَالتَّعْلِيقِ وَالتَّحْشِيَةِ؛فَقَـد فَعَلْنَا ذلِكَ مِنْ دُونِ طُغْيَانٍ عَلَى الأَصْلِ أَوْ تَفْرِيطٍ فِي حَقِّهِ .
وَصَـدَرَ كِتَابِي ـ أَوْ نَشْرَتِي هَذِهِ ـ فِي عَامِ 2009 م عَنْ دَارِ الفَارُوقِ الحَدِيثةِ
بِالعَاصِمَةِ المِصْرِيَّةِ القَاهِرَةِ؛وَفَرِحْتُ يَوْمَئِذٍ فَرَحَاً شَدِيدَاً بِبَاكُورَةِ أَعْمَالِي؛وَلَمْ أَكُن أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَخْتَزِنُ لِي خَيْرَاً كَثِيرَاً يَكُونُ سَبَبُهُ هُوَ هَذا العَمَلُ التَّحْقِيقِيُّ؛ وَكَانَ مَا طُوِى عَنِّي فِي ضَمِيرِ الغَيْبِ؛وَرَبـُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ؛وَكَانَ مِنْ بَرَكَةِ هَذا الكِتَابِ الَّذِي صَنَّفَهُ إِمَامُ مِصْرَ فِي عِلْمِ الحَدِيثِ عَنْ إِمَامِ مِصْرَ فِي عِلْمِ الفِقْهِ؛أَنَّ نُسْخَتِي قُدِّمَت عَلَى كَآفَّةِ المَطْبُوعَاتِ الَّتِي سَبَقَتْهَا؛وَدَلِيلُ ذلِكَ أَنِّي كُنْتُ أُتَابِعُ فَأَجِدُ كَثِيرَاً مِنَ المَوَاقِعِ لاَ تُظْهِرُ سِوَى تَحْقِيقِي إِذا مَا رَغِبْتُ فِي البَحْثِ عَنْ هَذا الكِتَابِ؛بِحَيْثُ أَنَّ مَوْقِعَاً سُعُودِيَّاً كَبِيرَاً كَانَ يَعْرِضُهُ بِثمَنِهِ مِنَ الرِّيَالاَتِ فِي البِلاَدِ السُّعُودِيَّةِ؛وَكَانَ التَّرْوِيجُ لِهَذا الكِتَابِ ـ وَمَا زَالَ ـ بِصُورَةٍ تَدْعُو إِلَى سَعَادَةِ هَذِهِ النَّفْسِ؛إِلَى أَنْ وَجَدتُنِي أُنْتَدَبُ كَمُسْتَشَارٍ عِلْمِيٍّ وَكَاتِبٍ أَوَّلٍ بِمُؤسَّسَةِ أَطْلَس لِلنَّشْرِ وَالإِنْتَاجِ الإِعْلاَمِيِّ؛وَمِنْ هُنَا كَانَت الطَّفْرَةُ؛وَوَقَعَ لِي مِنَ الخَيْرِ عُقَيْبَ ذلِكَ مَا لَمْ يَكُن فِي الحُسْبَانِ أَبَدَاً؛فَمَا كُنْتُ أَخَالُ أَنَّ الدُّنْيَا فِي مَيْدَانِ القَلَمِ سَتُفْتَحُ عَلَيْنَا حَتَّى صِرْنَا نَعْجَزُ عَنْ شُكْرِهِ؛وَمَا هُوَ ـ وَاللهِ ـ مِنْ عَبْقَرِيَّةٍ أَمْلُكُهَا؛وَلَكِنَّهُ فَضْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عَبْدِهِ الَّذِي لاَ يُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلاَّ إِلَيْهِ .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق