الثلاثاء، 5 أبريل 2016

رِسَـالَـةٌ إِلَـى قُـتَـيْـبَـة 11....ناقد الجيل /محمد دحروج

رِسَـالَـةٌ إِلَـى قُـتَـيْـبَـة 11
وَللهِ دَرُّ قُتَيْبَةَ؛فَإِنَّهُ جَعَلَنِي أَشْعُرُ بِأَنِّي مَوْجُودٌ؛فَإِذا رَأَيْتَ المُجِيدَ النَّابِهَ 
يُثنِي عَلَى أَحَدٍ؛فَاعْلَم أَنَّهَا مِحْنَةٌ وَمِنْحَةٌ لِهَذا الأَخِيرِ فِي آن؛فَأَمَّا عَن المِنْحَةِ فَهِىَ فِي عُودَةِ جُذوَةِ الأَمَلِ إِلَى حَيَاةِ الوَهَجِ وَلَوْ إِلَى حِينٍ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَت قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى مِن الانْطِفَاءِ وَالذهَابِ إِلَى دُنْيَا العَدَمِ؛وَمَا العَدَمُ سِوَى رِيحِ اليَأْسِ الَّتِي تَهْجُمُ عَلَى إِرَادَةِ الرُّوحِ فَتَمْحَقُهَا؛وَأَمَّا عَن المِحْنَةِ؛فَهِىَ شُعُورٌ مُسَيْطِرٌ عَلَى النَّفْسِ هُوَ فِي تَوَحُّدِهِ مَزِيجٌ مِنَ الخَوْفِ الحَامِلِ عَلَى التَّرَدُّدِ وَالرَّغْبَةِ فِي كَسْرِ شَوْكَةِ هَذا الخَوْفِ الَّذِي إِنْ تَمَكَّنَ أَوْدَى بِهِمَّةِ يَرَاعَةٍ كَانَت تَصْهِلُ صَهِيلاً مَاتِعَاً؛فَبَقِىَ حَينَئِذٍ بَيْنَ أَشْرَاكِ المَتَاهَةِ؛فَلاَ هُوَ بِالَّذِي صَعَدَ عَلَى الأَدْرَاجِ مُؤمِّلاً العُلاَ؛وَلاَ هُوَ ظَلَّ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَت تُرْضِي وَتُقْنِعُ؛فَهَذا هُوَ حَالِي مَعَ قُتَيْبَةَ مِنْ لَدُنِ ظُهُورِهِ عَلَى أَرْضِ أَوْقَاتِي !
كَانَ مِمَّا هَالَنِي وَأَنَا أَفْتَحُ عَيْنِي مُنْذ سُوَيْعَةٍ عُقَيْبَ نَوْمَةٍ تَحْتَ إِجْبَارِ رَهَقٍ 
أَنِّي رَأَيْتُ فِي بَرِيدِ القُرَّاءِ بِصَدَدِ المَقَالَتَيْنِ الأَخِيرَتَيْنِ لِي هَذِهِ التَّعْلِيقَةَ وَالَّتِي ذُيِّلَت بِاسْمِ أَخِينَا الأَدِيبِ قُتَيْبَةَ أَبِي فِهْر؛وَكَانَ هَذا هُوَ نَصُّهَا:
(( شَيْءٌ مَا بَيْنَ جَوَانِحِي يَدْفَعُنِي دَفْعَاً وَيَأْخُذنِي أَخْذاً لِقِرَاءَةِ مَا كَتَبَهُ 
الأَدِيبُ الأُسْتَاذ مُحَمَّد دَحْرُوج ... بَل وَالتَّأَمُّلِ فِيمَا كَتَبَهُ مِرَارَاً وَتِكْرَارَاً ... 
وَمَا ذاكَ إِلاَّ لِكَثِيرِ تَشَابُهٍ وَشَيْءٍ؛بَلْ أَشْيَاءَ تَجْمَعُنِي وَمَقَالاَتَهُ وَشَيْخَنَا أَبَا فِهْر رَحِمَهُ اللهُ؛وَإِنِّي وَاجِدٌ نَفْسِي فِي كَثِيرٍ مِمَّا كَتَبَ؛وَنَعَم؛وَكَأَنِّي فِيمَا أَقْرَأُ أُبِينُ عَمَّا يَتَلَجْلَجُ بَيْنَ جَنْبَيّ فِيمَا أَمَضَّنِي وَحَزَّ فِي نَفْسِي؛بَل فِيمَا أَثقَلَنِي وَطْؤُهُ؛ثقْلٌ يَعْلُوهُ ثقْلٌ .
وَكَانَت كَلِمَاتُهُ وَكَأَنَّهَا تَتَقَلَّبُ فِي فُؤادِي تُحَرِّكُ مَا تُحَرِّكُ؛وَرُبَّمَا تُحَرِّكُ 
مِدَادِي وَتُسِيلُهُ إِذ جَفَّفَهُ قَبْلاً مَا جَفَّفَهُ وَعَلاَهُ غُبَارُ خُثـْرِهِ ! 
وَكَانَ مَا كَانَ ... لِيَقْضِي اللهُ أَمْرَاً كَانَ مَفْعُولاً .
وَأَشْكُرُ أَدِيبَنَا الكَرِيمَ فَقَد سَلاَّنِي بِبَيَانِهِ . )) أهـ .
فَلَمَّا مَرَرْتُ عَلَى هَذا الكَلاَمِ؛انْتَبَهْتُ وَأَخَذتُ أَطْرُدُ مِنْ عَيْنِيّ أَثرَ نَوْمَةِ 
رَهَقٍ وَاعْتَدَلْتُ جَالِسَاً؛ثـُمَّ أَخَذتُ فِي قِرَاءَةِ سُطُورِهِ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ كَمَا هِىَ العَادَةُ حِينَمَا يَأْسِرُنِي كَلاَمُ كَاتِبٍ؛وَمَا كِدتُ أَفْرَغُ حَتَّى رَفَعْتُ دُعَائِي إِلَى رَبِّي أَنْ يُدِيمَ سِتْرَهُ عَلَيْنَا وَأَلاَّ يَظْهَرَ عَوَارُنَا؛فَوَاللهِ لَقَد رَأَيْتُنِي أُلْصِقُ ظَهْرِي بِمَا يَسْتَنِدُ عَلَيْهِ حَتَّى حَسَبْتُنِي أُرِيدُ أَنْ أُغَيَّبَ فِي الجِدَارِ؛فَقَد هَالَنِي هَذا الثنَاءُ الَّذِي جَاءَ مِنْ قِبَلِ كَاتِبٍ أَرِيبٍ وَقَعَت عَلَىّ عِبَارَاتُهُ وَقْعَ القَذِيفَةِ عَلَى الخَيْمَةِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي نَخَرَ السُّوسُ فِي عَمُودِهَا فَهِىَ مِنْ دُونِ القَذِيفَةِ عَلَى وَشْكِ أَنْ تَنْهَارَ مِنْ نَفْسِهَا؛وَقُلْتُ:مَنْ أَنَا حَتَّى تَقَعَ سُطُورِي هَذا المَوْقِعَ مِنْ أَدِيبٍ ذِي مُكْنَةٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ رُوحُهُ الَّتِي تَنْتَفِضُ أَمَامِي بَيْنَ سُطُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كَلاَمُهُ ؟!؛وَلاَ يَدُلُّ الكَلاَمُ عَلَى صَاحِبِهِ إِلاَّ عُقَيْبَ الجَمْعِ فِي الحُكْمِ بَيْنَ بِدَايَتِهِ وَأَوْسَطِهِ وَمُنْتَهَاهُ؛بَيْنَمَا تَبْرُزُ الرُّوحُ أَمَامَ المُتَأَمِّلُ مِنْ صَدْرِ الكَلاَمِ فَتُوقِفُكَ عَلَى قَدْرِ النَّاسِجِ وِقِيمَتِهِ وَحَقِيقَةِ طَبْعِهِ؛وَبِهَذا نُفَرِّقُ بَيْنَ المُفْتَعَلِ المَصْنُوعِ وَالمُقْذوفِ مِنْ نَفَسٍ مَطْبُوعٍ؛ثـُمَّ إِنِّي قَابَلْتُ بَيْنَ قُوَّةِ كَلاَمِهِ وَحَقِيقَةِ مَضْمُونِي فِي نَفْسِهِ؛فَمَا رَأَيْتُ أَخَانَا قَتَيْبَةَ أَخَذهُ مَا أَخَذهُ مِنَ الإِعْجَابِ إِلاَّ لأَنَّهَا رُوحٌ اشْتَبَكَت مَعَ رُوحٍ مِنْ قِبَلِ تَوَحُّدِ حَالَةِ الوَجْدِ وَالأَلَمِ ـ وَإِنْ اخْتَلَفَت الأَسْبَابُ ـ؛
فَعَاشَ مَعَ قَضِيَّةِ مَوْضُوعِي لأَنَّهَا صَادَفَت مَا تُعَانِيهِ النَّفْسُ الفِهْرِيَّةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ جِهَةِ العُمُرِ وَالكَبِيرَةُ مِنْ جِهَةِ القَدْرِ وَالقَدَرِ؛فَهَذا غَايَةُ أَمْرِي مَعَ تَعْلِيقَةِ أَخِينَا قُتَيْبَةَ ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ؛وَإِنْ كَانَت رِسَالَتُهُ هَذِهِ قَد أَنْبَهَت نَائِمَاً وَأَيْقَظَت غَافٍ؛فَإِنَّ إِعْجَابَ المُجَوِّدِينَ بِكَلاَمٍ يُوجِبُ عَلَى صَاحِبِ الكَلاَمِ رُكُوبَ خُطَّةٍ مِن الاعْتِنَاءِ بِمَا يَكْتُبُ تَجْعَلُهُ كَالَّذِي يَتَلَجْلَجُ صَدْرُهُ فَهُوَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْلِهِ أَيُخْرِجُ الكَلاَمَ أَم يَحْجُبُهُ وَيَجْعَلْهُ دَفِينَاً فِي مَوْضِعِهِ؛فَمَنْ لَمْ يَكُن عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الثقَةِ فِي البَيَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَلُوذ بِالخَفَاءِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ !
وَرَحِمَ اللهُ فَتَىً عَرِفَ قَدْرَ نَفْسِهِ؛فَصَانَهَا عَن المُبَالَغَةِ وَالمُغَالاَةِ كَمَا يَصُونُهَا 
عَن الابْتِذالِ وَمَوَاطِنِ أَهْلِ الفُسُولَةِ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق