الثلاثاء، 17 أبريل 2018

أحداث ليلة الفضول ::: الأجزاء 53 - 54 - 55 -56 للكاتب محمد دحروج

وَأُسـدِلَ  السِّـتـار
        ـ 53 ـ 

   كَانَ احتِقَارِي لَهَا يَزدَادُ كُلَّ يَومٍ اتِّسَاعًا ، لَم أتمَكَّن مِنَ المُحَافَظَةِ عَلَى هُدُوئِي  كَمَا يَنبَغِي ، كَانَ كُلُّ شَيْءٍ  يَدعُونِي إِلَى الثَّورَةِ عَلَى أيِّ شَيْءٍ ، وَكَانَ الاضطِهَادُ الَّذِي يحُاصِرُنِي لا يَتَمَثَّلُ إِلاَّ في قَبضَتَينِ تُحِيطَانِ بِعُنُقِي ، قَبضَةِ  الضَّياعِ المُنتَظَرِ ، وَقَبضَةِ حُبٍّ مَزعُومٍ لامرَأةٍ وصُولِيَّةٍ .

   في ذَاتِ لَيلَةٍ كُنتُ أُخَاطِبُهَا عَبرَ الرَّسَائِلِ ، وَهَاجَت نَفسِي .

   هُوَ : مَا أخبرَكِ أحَدٌ أنكِ امرَأةٌ حَقِيرَةٌ ؟
   هِيَ : مَا هَذَا يَا محُمَّد ؟!
   هُوَ : هَذِهِ هِيَ الحَقِيقَةُ ، فَالمَرأةُ الفَاجِرَةُ هِيَ وَحدَهَا مَن تَقدِرُ عَلَى التَّلَوُّنِ وَتَبدِيلِ الثَّيابِ بِنَقِيضِهَا حَسبَ الوَقتِ وَالْحَاجَةِ ، وَأنتِ هَذِهِ المَرأةُ .
   هِيَ : محُمَّد ...  أأنتَ سَكرَانٌ ؟ 
   هُوَ : إِنَّ مِثلِي لا يَعرِفُ السُّكْرَ فَالخَمرُ وَالسُّكْرُ وَالعُهرُ كُلُّ أُولَئِكَ جَاءَ مِنكِ .
   هِيَ : أأنا هَذِهِ ؟ ...  سَامَحَكَ اللهُ يَا محُمَّد . 
   هُوَ : لا سَامَحَ اللهُ عَقلِي الَّذِي آمَنَ يَومًا بِنَفسِكِ الوَضِيعَةِ .

***** 

   بَعدَ قَلِيلٍ هَاتَفَنِي أحَدُهُم ممَِّن أعرِفُ يخُبرُنِي أنَّ فُلانةَ هَاتَفَتهُ وَهِيَ تَبكِي وَأوقَفَتهُ عَلَى مَا دَارَ ، وَرَجَانِي أن أكُفَّ عَن إِهَانَتِهَا لأنهُ كَمَا أعلَمُ يَتَّصِلُ إِلَيهَا بِقَرَابةٍ بَعِيدَةٍ إِلاَّ أنهُ يَعُدُّهَا بِمَثابَةِ شَقِيقَتِهِ الَّتِي تَكبرُهُ بِعِشرِينَ عَامًا ؛ فَوَعَدتهُ خَيرًا ، وَانتَهَى الأمرُ .
   حِينَمَا هَدَأت نَفسِي شَعَرتُ أننِي بَالَغتُ كَثِيرًا في إِهَانَتِهَا فَهاتفتُهَا  وَرُحتُ أُطيِّبُ خَاطِرَهَا .
   كَانَ لا بُدَّ  مِن قَتْلِ  هَذَا الضَّعفِ  الَّذِي يُسَيطِرُ  عَلَى قَلْبٍ بَاتَ يَنتَفِضُ مِن ألَمِ بَقِيَّةِ حُبٍّ تمَتَزِجُ بِكُرهٍ وَبُغضٍ لهِذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي قَفَزَت إِلَى جِدَارِ مَشَاهِدِ تَارِيخِي وَلا بُدَّ  مِن إِنزَالِهَا بِقَسوَةٍ كَى نَضَعَ نُقطَةَ النِّهَايةِ  لِهَذِهِ الرِّوَايةِ  النَّتِنَةِ ، كَانَ لا بُدَّ أن أمُرَّ مِن فَوقِ هَذَا الجِسرِ كَنَاجٍ وَلَيْسَ كَضَحِيَّةٍ ، فَالنَّجَاةُ صَاحِبُهَا ذُو إِرَادَةٍ وَأمَّا مَن يُضَحَّى بِهِ 
فَهُوَ الضَّعِيفُ العَاجِزُ .
   كُنتُ أُرِيدُ نِهَايةً  لا تَعتَرِفُ  بِالانكِسَارِ  في ظَاهِرِهَا  وَإِن كَانَت مَكلُومَةً في حَقِيقَةِ الأمرِ .

***** 

   هُوَ : أينَ أنتِ ؟ 
   هِيَ : أنا في عَمَلٍ 
   هُوَ : أيُّ عَمَلٍ هَذَا ؟
   هِيَ : لِمَاذَا تَتَكلَّمُ مَعِي هَكَذَا ، لَيسَ مِن حَقِّكَ أن تحُاصِرَنِي بهِذِهِ الطَّرِيقَةِ ! 
   هُوَ : أنتِ امرَأةٌ حَقِيرَةٌ 
   هِيَ : شُكرًا ! 

***** 

   مَضَتْ أيامٌ وَنحَنُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، دَائِمًا مَا بَينَ خِطَابٍ مُتَمَرِّدٍ استِفزَازِيٍّ مِنَ الطَّرَفَينِ ؛ عَلَى أنَّ طَرِيقَتِي في الهُجُومِ وَالمُنَاقَشَةِ كَانَت حَادَّةً صَاخِبَةً أحيَانًا .
   رُبمَّا يُنكِرُ عَلَيَّ بَعضُ النَّاسِ في هَذَا المَسلَكِ ؛ غَيرَ أنِّي أكرَهُ إِصدَارَ الأحكَامِ مِن دُونِ تَريُّثٍ ، فَمَا كُنتُ لأُغلِظَ مَعَ امرَأةٍ لَوْ أنهَّا صَدَقَتنِي في كُلِّ مَا كَانَ بَينَنَا ، كَم كُنتُ أتَمنَّى لَو أنهَّا صَارَحَتنِي بمَِا يَدُورُ في طَوَايا ضَمِيرِهَا .
   لَو أنهَّا جَعَلَتهُ غَرَامًا مُعَلَّقًا عَلَى طَرِيقَةِ المُثَقَّفِينَ يَنتَهِي بِوصُولِهَا إِلَى مَا تحَلُمُ بِهِ ثُمَّ أنصَرِفُ أنا وَكَأنَّ شَيْئًا لَم يَكُن .
   لَو أنهَّا جَعَلَتهَا صَدَاقَةً غَرَامِيَّةً غَيرَ مَشرُوطَةٍ . 
   كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَحمِلُنِي عَلَى أن أجعَلَ مَا بَينِي وَبَينَهَا مُجَرَّدَ قِصَّةٍ عَابِرَةٍ ؛ لَكِنَّهَا كَانَت مَاكِرَةً تجُيدُ ممُارَسَةَ النِّفَاقِ الَّذِي مَا كُنتُ أعلَمُ أنهُ يجَرِي مِنهَا مَجرَى الدَّمِ بِعُرُوقِهَا .

***** 

   كَانَ صَاحِبُ دَارِ النَّشرِ الَّذِي استَقبَلَنَا بمِعرَضِ الكِتَابِ يُعِدُّ لِحَفلِ مُنَاقَشَةٍ  بِمُؤسَّسَتِهِ  إِذ كُنتُ  طَلَبتُ مِنهُ  ذَلِكَ ، وَفي المَسَاءِ  هَاتَفَنِي لِيُخبرَنِي  أنَّ المُنَاقَشَةَ  تَكُونُ غَدًا  في تَمَامِ  السَّادِسَةِ  وَأنهُ  يَنتَظِرُنِي لاستِلامِ المَالِ الَّذِي كُنتُ طَلَبتُهُ مِنهُ مُقَابِلَ كِتَابٍ سَيَنشُرُهُ لِي . 
   لَم يَشغَلنِي أمرُ حَفلِهَا وَإِنمَّا هَدَأتْ نَفسِي قَلِيلاً إِذ كُنتُ في انتِظَارِ 
هَذَا المَالِ القَلِيلِ  الَّذِي يَنتَظِرُهُ صَاحِبُ المَسكَنِ  الَّذِي أُقِيمُ بِهِ ؛ وَأمَّا أُمُورِي الخَاصَّةُ فَيُمكِنُ مُعَالَجَتهُا لِمُدَّةِ شَهرٍ إِذَا مَا عَوَّلتُ عَلَى حَيَاةِ الكَفَافِ وَالاقتِصَادِ في كُلِّ شَيْءٍ .

***** 

في تمَامِ التَّاسِعَةِ مَسَاءً : 

   هِيَ : حَفلُ التَّوقِيعِ غَدًا ، فَهَل سَتَأتِي أم لا ؟
   هُوَ : مَا هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي تُحدِّثِينِي بهِا ؟ 
   هِيَ : عَلَى رَاحَتِك 
   هُوَ : عَلَيْكِ بِرِجَالِكِ فَهُم أولَى بِالدَّعوَةِ !
   هِيَ : أنتَ إِنسَانٌ مَرِيضٌ !
   هُوَ : وَأنتِ حَقِيرَةٌ 
   وَانتَهَى الكَلامُ . 

***** 

في تمَامِ الوَاحِدَةِ بَعدَ مُنتَصَفِ اللَّيل : 

   بَدَأ فَصلٌ غَرِيبٌ مِنَ السَّبِّ وَالقَذفِ أُوجِّهُهُ إِلَيهَا خَرَجَ عَن حَدِّهِ 
وَجَاوزَ كُلَّ حُدُودِ التَّحمُّلِ .
   نَعَم ، أُقِرُّ أنِّي فَعَلتُ هَذَا ، كُنتُ خَارِجَ حُدُودِ العَقلِ ، وَمَا زِلتُ إِلَى اليَومِ  أعتَرِفُ أنِّي  كُنتُ صَبِيًّا  سَلِيطَ اللِّسَانِ  لَم يُعَامِل القَضِيَّةَ بِطَرِيقَةِ شَابٍّ عَاقِلٍ مُهَذَّبٍ يُجِيدُ إِنهَاءَ المَسَائِلِ العَالِقَةِ بِأُسلُوبٍ يُوائِمُ مَاهِيَّتهُ الأدَبِيَّةَ .

   بِكُلِّ حَالٍ ، لا بُدَّ مِن مُعَامَلَةِ مُلابسَاتِ المَشهَدِ الأخِيرِ بهُِدُوءٍ كَبيرٍ وَحِكمَةٍ لا تَقبَلُ غَيرَ قَانُونِ النَّظرَةِ النَّسبِيَّةِ فَإِنَّ الحُكمَ الوَاحِدَ هُنَا يُعَدُّ جَورًا عَلَى أحَدِ الطَّرَفَينِ .

***** 

   لا أدرِي لِمَاذَا زَادَ إِصرَارِي  في هَذِهِ اللَّحظَةِ  عَلَى مَعرِفَةِ أينَ هِيَ الآنَ ؛ فَهَاتَفتُهَا .
   وَكَانَ مَا  أنهَى  كُلَّ شَيْءٍ  وَجَاءَ بِالْخَاتِمَةِ  الَّتِي كَانَ  لا بُدَّ  مِن وُقُوعِهَا ! 
    

تـَهـدِيـدٌ  بـَعـدَ مُنـتصَـفِ  اللَّـيـل
        ـ 54 ـ 

هُوَ : أينَ أنتِ ؟ 
الرَّجُلُ الغَرِيب : دَعكَ مِنهَا وَاسمَعنِي جيِّدًا 

لَم أستَوعِب هَذَا ...  إِنهُ رَجُلٌ، وَبَعدَ مُنتَصَفِ اللَّيلِ !

هُوَ : مَن أنتَ ؟ 
الرَّجُلُ الغَرِيب : هَذَا لا يَعنِيك ، لا أُحِبُّ أن أُهَدِّدَك ، وَثِق أننِي 
لا أُحِبُّ  إِيذَاءَك ، لَكِنَّكَ  تَجَاوَزتَ مَعَ امرَأةٍ لا تُرِيدُ أن تَعرِفَكَ ؛ فَاحذَر أن تخُاطِبَهَا مَرَّةً أُخرَى .

***** 

لَم أعقِل مَا جَرَى ؛ كُلُّ مَا استَقَرَّ بِكيَانِي فَهَزَّنِي هَزًّا أنهَّا تَجلِسُ 
في هَذِهِ السَّاعَةِ مَعَ رَجُلٍ أعطَتهُ هَتَّافَهَا لِيُجِيب . 
هُنَا فَهَمِتُ كَم كُنتُ سَاذجَ العَقلِ رَدِيءَ الفَهمِ ؛ كَانَ لا بُدَّ أن 
أُخرِجَهَا مِن حَيَاتِي لأبدَأ رِحلَةً جَادَّةً مِن أجلِ البَحثِ عَن مُستَقبَلِي الَّذِي جِئتُ  مِن أجلِهِ ...  بَينَمَا جَاءَت  هَذِهِ الغَرِيبَةُ  مِن بِلادٍ بَعِيدَةٍ 
لِتَبحَثَ عَن حَيَاةٍ لَهَا في مِصرَ رُحتُ أنا لأُمَحوِرَ قَضِيَّةَ وُجُودِي حَولَ امرَأةٍ استَحكَمَ جَهلِي إِذ لَم يَقِف عَلَى كُنْهِ حَقِيقَةِ تَفكِيرِهَا .

نَعَم ، كُنتُ شَابًّا غَبِيًّا !

بَينَمَا كُنتُ أُعَايشُ لحَظَةَ المَوتِ هَذِهِ هَاتَفَنِي صَدِيقٌ أُجِلُّهُ يَكبرُنِي 
بِثَلاثةِ عَشرَ عَامًا ، كُنَّا اتَّفَقنَا عَلَى عَمَلٍ أدَبِيٍّ سَنَبدَؤهُ كَعَمَلٍ وَكُنتُ أذهَبُ إِلَيهِ أحيَانًا  في بَيتِهِ ، وَكَانَت الثِّقَةُ  بَينَنَا كَبيرَةً ، هَاتَفَنِي وَهُوَ مُنزَعِجٌ .
الصَّدِيق : اصدُقنِي القَولَ ؛ هَل هَاتَفتَ ( فُلانة ) وَشَتَمتَهَا وَقُلتَ 
           لهَا ( كَذَا وَكَذَا  ) ؟ 

هُوَ : نَعَم فَعَلْتُ 

الصَّدِيق : عَاهِدنِي الآنَ أن تمَنَعَ نَفسَكَ عَنهَا مَهمَا كَان .

هُوَ : لِمَ ؟ 

الصَّدِيق : أُقسِمُ بِاللهِ  وَلَن أزِيدَ ، لَقَد كَلَّمَنِي  رَائِدٌ بِأمنِ الدَّولَةِ 
أنَّ هُنَاكَ  بَلاغًا ضِدَّكَ  بِأمنِ الدَّولَةِ  قَيدَ العَرضِ بِتُهمَةِ تهَدِيدِ امرَأةٍ عَرَبِيَّةٍ عَلَى أرضِ مِصر .

في هُدُوءٍ أجَبتُهُ :

هُوَ : أنا أُعَاهِدُكَ ؛ فَقَد انتَهَى حَقًّا  كُلُّ شَيْءٍ ، لَم يَعُد هُنَاكَ مَا 
      يَدفَعُنِي إِلَى أيِّ حَدِيثٍ مَعَهَا .

........

صَـوتُ  الهَـزِيمَـةِ  وَالـصَّـدَى
        ـ 55 ـ 

   كَانَ لا بُدَّ أن تَأتِي النِّهَايةُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ البَشِعَةِ ، كَانَ لا بُدَّ أن تَظَلَّ الصُّورَةُ الأخِيرَةُ رَافِعَةً لِوَاءَ القُبْحِ وَالدَّمَامَةِ مِن أجلِ أن تحَدُثَ الطَّفرَةُ النَّفسِيَّةُ بِحَيَاةِ هَذَا الإِنسَانِ ، كَانَ لا بُدَّ أن يُوضَعَ الثَّلجُ عَلَى رَأسِ المَحمُومِ .
   وَكَانَ لا بُدَّ أن يُولَدَ الفَتَى مِن جَدِيدٍ  بِقَتلِ سَذَاجَةِ نَفسِهِ الحَالِمَةِ الضَّعِيفَةِ .
   هَاجَمَتنِي الحُمَّى وَسَقَطَتُ أُعَانِي  مَا أُعَانِي ، مَا كُنتُ أدرِي أأنا أبكِي  مِن قَسوَةِ  الْحُمَّى  أم مِن قَهرٍ  أنزَلَتهُ بِيَ  الأيامُ مِن حَيثُ لَمْ أُقدِّر ! 
   مَا كُنتُ أدرِي أيَّ شَيْءٍ سِوَى أننِي أصبَحتُ كَنُقطَةٍ مجَهُولَةٍ فَوقَ أرضِ هَذَا العَالَمِ تُوشِكُ أن تمُحَى مِن دَائِرَةِ هَذَا الوجُودِ .
   ثلاثةٌ أيامٍ مَرَّت وَأنا رَاقِدٌ أضِجُّ مِن مَرَضٍ وَحَسرَةٍ ، لَمْ أجِد يَومَئِذٍ صَدِيقًا يَسألُ أو أخًا في اللهِ يَألَمُ .
   لَم أجِد غَيرَ أصوَاتِ الهَزِيمَةِ وَصَدَاهَا الَّذِي يُبَدِّدُ إِيمَانِي بِكُلِّ شَيْءٍ . 

   نَعَم ؛ كَفَرتُ بِكُلِّ شَيْءٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ ، لَم يَبقَ بِعَقلِي إِبَّانَ هَذِهِ الأوقَاتِ العَصِيبَةِ سِوَى رَجَاءٍ مِنَ اللهِ أن يُرسِلَ شَيئًا مِن مَدَدِهِ إِلَى مَن انقَطَعَت بِهِ السُّبُلُ وَخَذَلَهُ النَّاسُ جَمِيعًا ، لَم يَعُد بِقَلبِي سِوَى الله ...  كَانَ مَاءُ عَينِي لا يَكُفُّ وَلا يهَدَأُ ؛ إِذَا مَا ضَاقَت نَفسِي بَكَيتُ ، وَإِذَا صَمَتَ  بُكَاءُ الشُّعُورِ  بِالضَّياعِ  الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ مِن سَبِيلٍ  سَالَت عَينِي مِن بَطْشِ الوَجَعِ وفتْكِ العِلَّةِ بِجَسَدٍ مَنكُوبٍ ضَامِرٍ .

***** 

وَغـيَّـبَت الأقـدَارُ  أمـرًا 
        ـ 56 ـ 

   لا أُحِبُّ أن أتَذَكَّرَ  هَذِهِ اللَّحظَةَ ؛ إِنَّ مُعَايشَتِي  لَهَا تحَمِلُنِي عَلَى التَّلبُّسِ بِكُلِّ مَعَانِي الكَرَاهِيَةِ وَالبَغضَاءِ  الَّتِي صَنَعَتْ مِنِّي رَجُلاً مَهمَا ضَحِكَ وَتَوَاضَعَ وَأبانَ عَن طِيبَةِ نَفسٍ  فَإِنهُ يَتَجَلَّى عَلَى حَقِيقَتِهِ عِندَ الخِلافِ وَتَصَادُمِ العُقُولِ  فَإِذَا بِهِ مُتَكبِّرٌ  عَلَى كُلِّ مَن يُصَادِمُهُ وَكُلِّ مَا يُعَارِضُهُ ، وَإِذَا بِالطِّيبَةِ تَرفَعُ شِعَارَ : ( العَدَاءُ حتَّى النِّهَايَة ، وَالبَدءُ بِالمُهَادَنةِ جُبنٌ وَوَضَاعَةُ ذَاتٍ ) ؛ فَهُوَ كُلُّ الإِيمَانِ  بِالمَشَاعِرِ الإِنسَانِيَّةِ وَهُوَ كُلُّ الكُفرِ بِالإِنسَانِ ...  عَلَى أنهُ لَم يحُارِب ضَعِيفًا وَلا دَيِّنًا وَلَم يُحَارِب مِن أجلِ مَالٍ أو امرَأةٍ أو عَمَلٍ ، فَكُلُّ ذَلِكَ فَوَّضَ أمرَهُ إِلَى الله ؛ وَإِنمَّا حَارَبَ المَعَانِي الشَّيطَانِيَّةَ  حِينَ تَتَجسَّدُ في صُورَةٍ بَشَرِيَّةٍ ، وَمِن هَا هُنَا  ظَنَّ الْجَهَلَةُ  أنهُ عُدوَانِيُّ الطَّبعِ ، وَمَا عَلِمُوا أنهُ يَرتَدِي ثَوبَ  الْحِقدِ وَالغِلِّ  حِينَمَا يُبصِرُ مَن يَتَزيَّا بِزِيِّ أعدَاءِ الإِنسَانِيَّةِ  فَمَا اشتَبَكَ بمِعرَكَةٍ في دُنيَا الثَّقَافَةِ إِلاَّ وَتَلبَّسَتهُ مُعَاناةُ آذَار 2015 ، فَكَأنهَّا الْحَربُ نَشِبَتْ  بَينَ مُسلِمٍ وَكَافِرٍ لا بَينَ  أدِيبٍ وَصَاحِبِ قَلَمٍ بِعَالَمِ الكَلِمَةِ ...  وَلَولا أننِي نَشَأتُ  عَلَى كَرَاهِيَةِ الظُّلمِ  وَاحتِقَارِ الوضَاعَةِ لَمَا  تَضَخَّمَ بِنَفسِي  هَذَا الْمَعنَى  مِن لَدُنِ التَّهدِيدِ الَّذِي جَاءَنِي بَعدَ مُنتَصَفِ اللَّيلِ .

***** 

   إِنَّ الحَيَاةَ لا تَعتَرِفُ بِالضُّعَفَاءِ ، وإِنمَّا هِيَ لُعبَةُ البَطَلِ المُتغَلِّبِ .
   وَأوَّلُ آياتِ الهَزِيمَةِ أن تحُسِنَ الظَّنَّ بِأحَدٍ كَانَ مَن كَانَ .
   قَدِّم الخَيرَ وَانسَحِب وَلا تَنتَظِر أجرًا وَلا شُكرًا .
   وَاعلَم أنَّ اليَدَ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى .
   وَلا يَكُونُ تَمَكُّنٌ مَا لَم تَكُن حَيْطَةٌ .
   وَمَن رَحَمِتهُ وَأنتَ مُنتَصِرٌ لَم يَرحَمكَ عِندَ هَزِيمَتِك .
   وَالمَرأةُ عَقلٌ  فَمَتَى نَظَرتَ  إِلَيهَا  نَظرَةَ  عِشقٍ  فَالطَّرِيقُ مَحفُوفٌ بِالمَخَاطِرِ ؛ فَالْزَم شُرُوطَ نَهجِ القِيَادَةِ تَسلَم .
   وَالمَرأةُ الَّتِي تَرفُضُ  وَجَعَ  رَقدَةِ الحَصِير ...  لا تَستَحِقُّ مِنكَ لحَظَةً فَوقَ الحَرِير .
   وَالكِلابُ الْجَربَاءُ تُعدِي فَكُن وَحدَكَ  فَأنتَ لا تَدرِي مَتَى يَظهَرُ 
الجَرَبُ بمِن تُصَاحِب .
ثُمَّ لا تَنسَ مَن أغَاثَكَ يَومَ أن رَفَعتَ إِلَيهِ الدُّعَاءَ لَيلَةَ الحِصَارِ فَمَا رَدَّكَ إِلاَّ مُجَابًا طيِّبَ الخَاطِرِ .
وَاحذَر أن تَكُونَ  مِمَّن أُحِيطَ بِهِم  فَدَعَوْا اللهَ مُخلِصِينَ فَلَمَّا نَجَّاهُم إِذ هُم يكفُرُون .
   رَبِحَ البَيعُ أبا نِزَار . 

من رواية ( أحداث ليلة الفضول )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق