الأربعاء، 11 أبريل 2018

رواية 《أحداث ليلة الفضول》 للكاتب محمد دحروج

نـغَـمٌ  مَكسُـورٌ  بمِسرَحِـيَّـةٍ تـَافِـهَـةٍ
        ـ 41 ـ

   أن يَنخَلِعَ قَلبُكَ لَهفَةً وَحَنِينًا كُلَّمَا شَكَتْ إِلَيكَ مَا تُلاقِي مِن آلامٍ وَمحِنٍ فَهَذَا ضَعفٌ وَفُقدَانٌ لحِكمَةِ رَجُلٍ كَانَ يُعِدُّ نَفسَهُ يَومَئِذٍ لِلقِيَامِ بِحَمْلِ أمَانةٍ  تَجِلُّ عَن أمرِ حَبِيبَةٍ مُتَلَوِّنةٍ  تَتَّخِذُ مِنَ الْحُبِّ سُلَّمًا كَى تَصعَدَ نَحوَ طِلْبَتِهَا الَّتِي لَو كَشَفَ عَنهَا الزَّمَنُ يَومَئِذٍ لأبانَ عَن عِظَمِ الفَجَاجَةِ بِعَقلِهَا وَفدَاحَةِ خَطْبِ سَذَاجَتِي .

   إِنَّ حُسْنَ الوَجهِ وَرِقَّةَ الصَّوتِ وَمَعسُولَ الكَلامِ ، كُلُّ ذَلِكَ عَمِلَ عَمَلَهُ في تخَدِيرِ عَقلِ شَابٍّ مَا كَانَت الأيامُ قَد أحكَمَتْ بَعدُ فَتْلَ حَبْلِ نُضْجِ عَقلِهِ ، فَعَادَ الحُبُّ بَينَنَا كَمَا كَانَ ـ ظَنَنتُ ـ .

   في هَذِهِ الأيامِ كَانَت حَالَتِي تَسُوءُ وَتَزدَادُ أُمُورِي الخَاصَّةُ اضطِرَابًا وَقَلَقًا فَكَانَ غَرَامِي لَهَا مُزعِجًا رَافَقَتهُ حَالَةٌ  مِن الضِّيقِ وَالغَضَبِ فَمَا مَرَّ يَومٌ مِن دُونِ أن ألْعَنَهَا وَأسُبَّهَا ، وَكَانَ شَتمِي يَجِيءُ بَشِعًا عَجِيبًا لا يُذَكِّرُنِي  إِلاَّ بهِذَا الطِّفلِ الأسمَرِ ابنِ التَّاسِعَةِ  وَهُوَ يجَرِي بِينَ المَقَابِرِ بِأعلَى التَّلِّ يُحَارِبُ الثَّعَابِينَ الَّتِي تَستَفِزُّهُ  حِينَمَا تَنظُرُ إِلَيهِ ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْحَارَةِ العَتِيقَةِ  لِيَدخُلَ بَينَ العُشبِ  كَى يَصطَادَ القَنَافِذَ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى البَيتِ في سَاعَةِ القَيْظِ لَيُعِدَّ القُنْفُذَ لِيَأكُلَهُ بَعدَ سَلخِهِ وَوَضعِهِ عَلَى النَّارِ أمَامَ اشمِئزَازِ إِخوَتِهِ وَاستِغرَابِ أُمِّهِ مِن طَبِيعَتِهِ ، فَإِذَا مَا أتَى اللَّيلُ جَلَسَ  عَلَى سَرِيرِهِ  يُنصِتُ إِلَى  أصوَاتِ الذِّئابِ ... إنهُ ذَلِكَ الطِّفلُ الَّذِي كَانَ يَكرَهُ الأغرَابَ وَيُدمِنُ الجُلُوسَ تحَتَ القَمَرِ لِيُحَادِثَهُ وَيَسألَهُ عَن أخبَارِ الْجَبَابِرَةِ  الَّذِينَ مَرُّوا مِن هُنَا  في غَابِرِ الأزمَانِ ... لَم تَكُن هَذِهِ الطَّبِيعَةُ  لِتُنتِجَ غَيرَ شَابٍّ بَربَرِيِّ الغَيْرَةِ  مُولَعٍ بِالانتِقَامِ وَالتَّرَبُّصِ بِمَنْ آذَاهُ ، إِنهُ يَذكُرُ  أنهُ شَجَّ  رَأسَ رَجُلٍ  في السَّابِعَةِ وَالثَّلاثِينَ مِن عُمُرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ عَامَ 1998 ، فَلَمَّا سَألُوهُ عَن عِلَّةِ ذَلِكَ أجَابَ بِأنَّ هَذَا الرَّجُلَ ضَرَبَنِي عَلَى وَجهِي سَنَةَ 1989 .

   كَانَ يَستَمتِعُ بِإِهَانَتِهَا وَكَثرَةِ محُاولاتهِا لإِرضَائِهِ ... لَم يَكُن هَمَجِيًّا بَل هُوَ الانتِقَامُ مِن امرَأةٍ أُجبِرَ عَلَى حُبِّهَا مَعَ إِيمَانِهِ أنهَّا مَاكِرَةٌ لا أمَانَ لَهَا .

   في هَذِهِ الأيامِ كَانَت كَلِمَاتُ الغَرَامِ  تَتَبَادَلُ بَينَهُمَا ، وَانَدَفَعَ نَحوَ
الهَوَسِ بهِا ، وَكَأنهُ كَانَ يَعلَمُ أنهَّا آخِرُ مَشَاهِدِ نَغَمٍ مَكسُورٍ بمِسرَحِيَّةٍ تَافِهَةٍ  بَطَلُهَا شَابٌّ حَائِرُ النَّفسِ  مُشَوَّهٌ وَاقِعُهُ ، وَالبَطَلَةُ  امرَأةٌ جمَيلَةٌ مُنَافِقَةٌ .
 
......

الـفِـكــرَةُ  الـعَـجـِيـبَـة
        ـ 42 ـ

   هَل تَرجِعُ قُدرَةُ  الرَّجُلِ العَرَبِيِّ عَلَى بَثِّ اعتِرَافَاتِهِ الغَرَامِيَّةِ وَعَجزِ المَرأةِ عَن ذَلِكَ إِلَى طَبِيعَةِ العَقلِيَّةِ الشَّرقِيَّةِ المُتَحجِّرَةِ ؟
   هَذَا كَلامٌ يَرُوقُ لِلمُخنَّثِينَ استِعمَالُهُ  كُلَّمَا أرَادَ أحَدُهُم تمَثِيلَ دَورَ المُثَقَّفِ الَّذِي يُسَايرُ التَّجدِيدَ وَالْحَدَاثةَ  في الفَنِّ وَالأدَبِ وَالفِكرِ عَلَى جِهَةِ العُمُومِ ، فَإِنَّ الحَدَاثةَ مَتَى أصَّلَت لِتَحطِيمِ ثَوَابِتِ العَقلِيَّةِ العَرَبِيَّةِ فَهِيَ حَدَاثةُ  غَزْوٍ  وَاستِعمَارٍ ...  فَلا بُدَّ مِن تَفَهُّمِ حَقِيقَةِ سَيكُولُوجِيَّةِ الوَاقِعِ في بِلادِ الشَّرقِ العَرَبِيِّ الَّذِي قَامَتْ حَضَارَتُهُ عَلَى وُفقِ مَرَاسِمِ وَشَرَائِعِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي أُنزِلَتْ عَلَى رُسُلِ السَّمَاءِ .
   تَظَلُّ المَرأةُ في بِلادِ العَرَبِ  مَمنُوعَةً مِن تَعرِيَةِ نَفسِهَا  أمَامَ النَّاسِ ؛ لا لأنَّ  مجُتَمَعَنَا  يَحتَقِرُ المَرأةَ ، وَإِنمَّا لأنهُ  يَنظُرُ إِلَيهَا  نَظرَةَ الإِجلالِ وَالتَّوقِيرِ ، فَهِيَ كَالنَّهرِ العَذْبِ الرَّقرَاقِ المُلْتَمِعِ لا يَصِحُّ وَلا يجَوزُ بحِالٍ أن نُلَوِّثهُ بِإِلقَاءِ الجِيَفِ الَّتِي تُزِيلُ كُلَّ مَا بِهِ مِن جَمَالٍ .
   بِكُلِّ حَالٍ ، لَقَد نَجَحَ  الغَربُ  في اختِرَاقِنَا ، وَمَتَى أُتِيحَ لِعَدُوٍّ أن يَصِلَ إِلَى عَقلِ نِسَاءِ الوَطَنِ المُستَضعَفِ فَاعلَم أنهُ قَد انتَصَرَ بِالصُّورَةِ الَّتِي لا تَنتَظِرُ مَزِيدًا مِن جَهدٍ .

***** 

   إِنهَّا هُنَاكَ .. لَقَد بَدَأتْ في الكِتَابةِ .. إنهَّا تُرِيدُ أن تخُرِجَ كِتَابًا لِيُنشَرَ في مِصرَ .
   رَاقَتنِي الفِكرَةُ جِدًّا ، فَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الصَّحِيحُ .
   لَكِنَّ كِتَابهَا كَانَ مُفَاجَأةً حَقِيقِيَّةً .
   لَمْ يَكُن كِتَابًا أدَبِيًّا ؛ بَل كَانَ كَارِثةً أخلاقِيَّةً !

........

مَـا زِلـتُ  أضـحَـكُ  كَـثِـيرًا
        ـ 43 ـ

   بَدَأتْ تحُدِّثُنِي عَن فِكرَةِ الكِتَابِ ، كُنتُ أُنصِتُ لَهَا ... إِنَّ الكِتَابَ يحَكِي قِصَّةَ حَيَاتِهَا ؛ لا ، بَل يَحكِي قِصَّةَ إِنسَانةٍ مُبَعثَرَةٍ كَانَت تُلقِي بِنَفسِهَا بِأيِّ مَوضِعٍ اندَفَعَتْ إِلَيهِ رِيحُ جُنُونهِا !
   أتُرِيدُ أن تَعرِفَ شَيْئًا عَن هَذَا الكِتَابِ  الَّذِي أصَابَ الكَثِيرِينَ مِنَ المُتَابِعِينَ بِصَدمَةٍ حمَلَتهُم بَعدَ ذَلِكَ  عَلَى الاستِخفَافِ بهِا وَالنَّظَرِ إِلَيهَا نَظْرَةً دُونِيَّةً  إِذ بَاتَتْ بِأعيُنِهِم امرَأةً طُفَيْلِيَّةً تَتَرَنَّحَ بِكُلِّ مَكَانٍ حَسْبَ دَورَ البُطُولَةِ وَمَوضِعِ البَطَلِ .
   كُنتُ أعرِفُ بَعضَ هَذِهِ القَصَصِ فَقَد اعتَرَفَتْ لِي قَبْلَ بِدَايةِ قِصَّتِي مَعَهَا أنهَّا كَانَت مخَطُوبةً  لِمُوسِيقَارٍ شَابٍّ يمَتَلِكُ شَرِكَةً لِلإِنتَاجِ بِحَيِّ المُهَندِسِينَ بِالقَاهِرَةِ ـ كَانَ في الثَّانِيَةِ وَالثَّلاثِينَ  مِنَ العُمُرِ ، وَكُنتُ في الثَّالِثَةِ وَالثَّلاثِينَ ـ  وَأنهَّا انفَصَلَتْ عَنهُ قَبلَ مَعرِفَتِي بهِا بِشَهرٍ ، وَكَانَت كَاذِبةً فِيمَا تَقُولُ ؛ فَقَد جَاءَ الكِتَابُ ـ كِتَابهُا ـ لِيُؤكِّدَ أنهَّا ظَلَّتْ عَلَى عَلاقَةٍ بِهِ إِلَى أن جَاءَتْ إِلَى مِصرَ أوَّلَ مَرَّةٍ ... فَقَد كَتَبَتْ تَقُولُ :
     (( وَلَمَّا رَأيتُ محُمَّد دَحرُوج رَأيتُ الأدِيبَ الشَّاعِرَ العَاشِقَ وَالرَّجُلَ الطِّفلَ وَرَأيتُ الرُّوحَ في جَسَدِ الحَيَاةِ ؛ وَلَمَّا وَاجَهتُ المُوسِيقَار ، لَم أشعُر بِالأمَانِ ، لَقَد انتَابنِي شُعُورٌ بِالغُربَةِ )) .
   وَفَهِمتُ مِن كِتَابهِا أنهَّا لَم تَأتِ إِلَى مِصرَ  لِرُؤيتِي كَمَا قَالَت وَإِنمَّا جَاءَتْ لِتُفَاضِلَ بَينَ رَجُلَينِ ، فَاختَارَتْ أن تُكمِلَ مَعِي ، وَأن تَستَغنِي عَن المُوسِيقَارِ الَّذِي عَاشَتْ مَعَهُ قِصَّةَ حُبٍّ قَبلَ أن أدخُلَ إِلَى مَرسَحِ أحدَاثِهَا ، وَعَلِمْتُ بَعدَ ذَلِكَ أيضًا أنهَّا ذَهَبَتْ في رِحلَتِهَا الأُولَى هَذِهِ لِرُؤيةِ المُمَثِّلِ المَشهُورِ  الَّذِي زَعَمَتْ أنهُ جَرَتْ قِصَّةُ حُبٍّ بَينَهُ وَبَينَهَا مُنذُ أشهُرٍ طَويلَةٍ غَيرَ أنهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيهَا .
   وَرُبمَّا لَوْ  بَلَّ رِيقَهَا  أو الْتَفَتَ إِلَيهَا  لأكمَلَتْ مَعَهُ  وَلَم تَبدَأ مَعِي قِصَّتَنَا اللَّعِينَةَ المَرِيضَةَ .
   أضحَكُ كَثِيرًا عِندَمَا أتذَكَّرُ هَذِهِ المَرأةَ !
   إِننِي لَمْ  أتمَكَّن  أبدًا  مِن إِقَامَةِ أكثَرَ  مِن عَلاقَتَي غَرَامٍ  في الشَّهرِ الوَاحِدِ وَلَمْ تَستَسِغ نَفسِي مَعنَى التَّثلِيثِ أبدًا ، وَلَم أمضِ مَعَ هِستِيرِيَا الغَرَامِ إِلاَّ مِن بَعدِ أن مَاتَت عَلاقَتِي بهِذِهِ المَرأةِ الفَاسِدَةِ  وَبمِوتهِا سَقَطَ مَعنَى المَرأةِ عِندِي فَمَا كُنتُ أُبالِي بِشَيْءٍ اسمُهُ المَشَاعِرُ ، وَلَم أنتَبِه لِمَا أُلابِسُهُ مِنَ اضطِرَابٍ نَفسِيٍّ  إِلاَّ مَعَ دِيسَمبر 2016 ، إِذ شَعَرتُ أننِي أصبَحتُ كَارِهًا  لِمَعنَى الأُنثَى  مُبغِضًا لَهُ  مِن كَثرَةِ  مَا سَمِعتُ مِن كَلِمَاتِ الحُبِّ ، وَإِذ تَيقَّنتُ مِن أنِّي قَد فَقَدتُ هَذَا الوَهَجَ الَّذِي كَانَ يُلازِمُ  قَلبِي وَعَقلِي  حِينَمَا أُحِبُّ ، وَإِذ عَلِمتُ  أنَّ اللهَ مَا كَتَبَ لِيَ الظَّفرَ وَتَحَقَّقَتْ أحلامِي  وَجَاوزَ الوَاقِعُ  مَا كُنتُ  أُخَطِّطُ لَهُ عِندَمَا هَبَطتُ إِلَى القَاهِرَةِ إِلاَّ لِغَايةٍ جَلِيلَةٍ لا يَجُوزُ مَعَهَا إِلاَّ أن أُنْهِي مَرحَلَةَ العَبَثِ الَّتِي أعقَبَتْ قِصَّةَ حُبٍّ فَاشِلَةٍ قَامَت بَينِي وَبَينَ امرَأةٍ مُبتَذَلَةٍ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق